نحـاول مـن خـلال هـذه الورقـة التعـرف علـى قيـاس مـدى تمتـع النسـاء العامـلات فـى الزراعـة بالحمايـة القانونيـة وبخاصـة مـا يتعلـق بحقهـم بالعمـل فـى قطـاع الزراعـة وأيضـا الحمايـة القانونيـة فيمـا يتعلـق بحقهـم فـى الوصـول لـأرض الزراعيـة، وبخاصـة أن الدسـتور المصـرى أعطـى المـرأة مكانـة متميـزة فـى المسـاواة بالرجـال ، كمـا أن الحكومـة المصريـة صادقـت علـى العهديـن الدوليـن الخاصـن بحقوق الإنسـان (مرجـع رقم 1) اللـذان أكـدا علـى التمتـع بالحقـوق الاقتصاديـة والاجتماعيـة والثقافيـة والمدنيـة والسياسـية علـى قـدم المسـاواة.
كمـا صادقـت الحكومـة المصريـة عـام 1981 علـى اتفاقيـة مناهضـة التمييـز ضـد المـرأة والتـى ذهبـت إلـى تأكيـد حـق النسـاء فـى المسـاواة فـي كافـة المجـالات والمياديـن، وبخاصـة المـادة الحاديـة عشـر المتعلقـة بإعمـال مبـدأ المسـاواة مـع الرجـل فـي ميـدان العمـل وضمـان الحقـوق الخاصـة بالحـق فـي العمـل بوصفـه حقـاً غيـر قابـل للتصـرف مـن بينهـا حريـة اختيـار المهنـة، والمسـاواة فـي الأجـر ومـا يرتبـط بـه مـن اسـتحقاقات ،والمسـاواة فـي المعاملـة وأيضـا المسـاواة فـي تقييـم نوعيـة العمـل. ايضـا مـا نصـت عليـه المـادة 14 مـن ذات الاتفاقيـة بالعمـل علـى القضـاء علـى كل اشـكال التمييـز ضـد المـرأة فـي المناطـق الريفيـة ،وإعمـال مبـدأ المسـاواة فـي الوصـول لمشـاريع اسـتصلاح الأراضـى والإصـاح الزراعـى وكذلـك مشـاريع التوطـين الريفـى، وأيضًـا المـادة 15 المتعلقـة بالمسـاواة أمـام القانـون ،وتأكيـد أهليـة المـرأة القانونيـة فـي إبـرام العقـود، واعتبـرت الفقـرة الفقـرة الثالثـة مـن هـذه المـادة علـى توافـق الـدول علـى اعتبـار جميـع العقـود والصكـوك التـي لهـا أثـر قانونـى يسـتهدف تقييـد الأهليـة القانونيـة للمـرأة لاغيـة وباطلـة . فـي السـياق ذاتـه نحـاول مـن خـال هـذا هـذه الورقـة قيـاس مـدى تمتـع النسـاء العامـلات فـي الزراعـة مـن مـدى الوصـول للحـق فـي التنظيـم النقابـى، وبخاصـة أن اتفاقيـة مناهضـة التمييـز ضـد النسـاء قـد أكـدت علـى هـذا الحـق، وأيضـا اتفاقيـة منظمـة العمـل الدوليـة رقـم 11 الخاصـة بحـق عمـال الزراعـة فـي تشـكيل نقاباتهـم (مرجـع رقم3).
واقع النساء العاملات في الزراعة
علـى الرغـم مـن تزايـد أعـداد العاملـات فـى الزراعـة إلـى خمسـة ملايـن سـيدة فـى عـام 2010 (مرجـع رقـم 4) بنسـبة تصـل إلـى 25% مقارنـة بعـام 2000 والتـى كانـت أعدادهـن 4 مليـون عاملـة زراعيـة (مرجـع رقـم 5) يتركـز الجانـب الأعظـم منهـم فـى العمالـة المؤقتـه لـدى أسـرهم. حيـث نجـد أن العامـلات فـي الزراعـة لـدى أسـرهن بـدون أجـر فـي تزايـد مسـتمر بحيـث بلغـت 40% وفقـا للتعـداد الزراعـى الأخيـر الصـادر فـي 2010، منهـم 5% مـن الأطفـال الإنـاث (مرجـع رقـم 6).
وعلـى الرغـم مـن هـذا التزايـد فـى أعـداد العمالـة الزراعيـة إلا أننـا نجـد أن القانـون 12 لسـنة 2003 والمعروف بقانـون العمـل الموحـد قـد جـاء خلـواً مـن أى ذكـر للعمالـة الزراعيـة علـى الرغـم ممـا يتعرضـون لـه مـن مشـكات منهـا علـى سـبيل المثـال لا الحصـر عـدم وجـود مظلـة قانونيـة لحمايتهـم ممـا يتعرضـون لـه مـن مخاطـر أو حتـى صـون الحـدود الدنيـا التـي تخـص بعـض حقوقهـم، ومـن ثـم حرمانهـم مـن أى تأمـن صحـي أو اجتماعـي. نفـس الحـال ينطبـق علـى العمالـة الزراعيـة مـن الإنـاث، حيـث جـاء القانـون خاليـاً مـن أيـة إشـارة تخـص عمالـة النسـاء فـي قطـاع الزراعـة، بـل نـص فـي الفقـرة (ب) مـن المـادة الرابعـة مـن هـذا القانـون مـن عـدم سـريان أحكامـه علـى خـدم المنـازل ومـن فـي حكمهـم والمقصـود بمـن فـي حكمهـم هـم النسـاء العامـلات فـي الزراعـة البحتـة وهـو فـي هـذا لـم يختلـف عـن القانـون 137 لسـنة 1981 السـابق عليـه والـذي جـرى إلغائـه بموجـب القانـون الجديـد رقـم 12 لسـنة 2003 (مرجـع رقـم 7). وقــد جــاءت المــادة« 97» مــن هــذا القانــون للتأكيــد علــى المعنــى الســابق وتصــل إلــى أقصــى درجــات الإجحـاف بحـق المـرأة العاملـة مـا يتجـاوز كافـة المعاييـر الدوليـة الـواردة فـي هـذا الشـأن وهـو النـص الخـاص باسـتثناء العامـلات فـي الفلاحـة البحتـة مـن أحـكام هـذا القانـون، وبمقتضـى هـذه المـادة فقـد تم حرمان النسـاء العامـلات فـي الفلاحـة البحتـة مـن شـمولهم بمظلـة القانـون، إنـه وبـلا شـك انتهـاك للمـرأة العاملـة فـي قطـاع الزراعـة البحتـة مـن عـدم مسـاواتها بمثيلتهـا فـي القطاعـات الاقتصاديـة الأخـرى، وهـو أمـر يتنافـى مـع أبسـط المبـادئ القانونيـة المتعلقـة بمناهضـة التمييـز ضـد المـرأة. ويرتبـط حرمـان النسـاء العامـلات فـى الزراعـة مـن الحمايـة القانونيـة لحقهـم فـى العمـل إلـى غيـاب حقهـن فـى الحمايـة الاجتماعيـة وبخاصـة مـا يتعلـق بشـمولهمن بمظلـة التأمـن الاجتماعـى والصحـى، وذلـك راجـع لعـدم قيدهـن فـى سـجلات التأمينـات الاجتماعيـة بسـبب عـدم اعتـراف قانـون العمـل بهـن كعمالـة زراعيـة مـن حقهـا إبـرام علاقـات تعاقديـة مـع أصحـاب العمـل، وانسـحاب ذلـك أيضـا علـى عـدم إمكانيـة شـمولهم بمظلـة التأمـين الصحـى.
علـى الجانـب الأخـر وفيمـا يتعلـق بحـق النسـاء العامـلات فـى الزراعـة مـن الوصـول للحـق فـى بطاقـة الحيـازة الزراعيـة التـى تصـدر مـن جمعيـات الاتئمـان الزراعـى وذلـك وفقـا لمقتضيـات قاتـون الزراعـة 53 لسـنة 1966 وتعديلاتـه الاحقـة (مرجـع رقـم 8) الـذى يتبـح للعاملـين فـى النشـاط الزراعـى سـواء أكان ذلـك بـألارض أو بـدون أرض مـن حـق الحصـول علـى الحيـازة الزراعيـة، ولا يشـترط هـذا القانـون ضـرورة وجـود حيـازة لأرض زراعيـة ّ حيـث يمتـد هـذا الحـق علـى حيـازة الماشـية فقـط ولا يمتـد لباقـى الأنشـطة الزراعيـة مثـل الإنتـاج الداجنـى وتربيـة الطيـور والمناحـل… إلـخ، ولكـن الواقـع العملـى داخـل الجهـات الإداريـة المعنيـة يحـول دون إنفـاذ هـذا الحـق، ممـا يحـرم النسـاء العامـلات فـى الزراعـة مـن الاعتـراف القانونـي بنشـاطهن ومـا يرتبـط بذلـك مـن صعوبـة أثبـات صفـة المهنـة فـى بطاقـة الرقـم القومـى ومـا يترتـب علـى ذلـك مـن حقـوق ترتبـط بالأسـاس بالاعتـراف القانونـى بالمـرأة العاملـة فـى الزراعـة ومـا تمارسـه مـن أنشـطة زراعيـة. وبخاصـة فـى ظـل تدنـى وضعيـة النسـاء الحائـزات لـأرض الزراعيـة حيـث نجـد أن هنـاك اسـتمرار فـى انخفـاض نسـب النسـاء الحائـزات لأراضـي الزراعيـة والتـى لـم تكـن تتجـاوز 8.2% فـى العـام 98/0991 (مرجـع رقـم 9) نجدهـا قـد انخفضـت إلـى 5.2% مـن جملـة الحائزيـن فـى العـام 2000 (مرجـع رقـم 10).
فـى السـياق ذاتـه لـم تـزد أعـداد النسـاء الحائـزات لأرض زراعيـة فـى عـام 2010 عـن 4% (مرجـع رقـم 11) مـن جملـة الحائزيـن لأرض زراعيـة، ولا يتوقـف الأمـر عنـد هـذا الحـد بـل يمتـد الـى أن جملـة الحائـزات لأرض زراعيــة اغلبهــم مــن فقــراء وصغــار الفاحــات بنســبة 48% مــن جملــة النســاء الحائــزات مــن فــدان لأربعـة أفدنـة فأقـل وتتركـز النسـبة الأكبـر فـى الفاحـات بـدون أرض والنسـاء الحائـزات لأقـل مـن فـدان والتـى تبلـغ 33%، الأمـر الـذى يكشـف بوضـوح مـدى الفجـوة بـن الذكـور والإنـاث فـى الريـف المصـرى فيمـا يتعلـق بالوصـول لـأرض الزراعيـة. ولكـن يجـب الأخـذ فـى الاعتبـار أن إعاقـة النسـاء فـى الوصـول لـأرض الزراعيـة وتدنـى نسـبتها مقارنـة بالذكـور راجـع فـى أحـد اسـبابه إلـى حرمـان النسـاء مـن حقهـن فـى ميـراث الأرض الزراعيـة إذا كان بـين أفـراد العائلـة ذكـور حيـث فـى الغالـب مـا يتـم إعطـاء الأرض للذكـور ودفـع تعويـض مالـى يكـون ضعيفـا للإنـاث تعويضًـا عـن حقهـن فـى ميـراث الأرض.
علـى الجانـب الأخـر فيمـا يتعلـق بحـق النسـاء العامـلات فـى الزراعـة فـى التنظيـم النقابـي فقـد جـاء القانـون رقـم 213 لسـنة 2017 (مرجـع رقـم 12) ليؤكـد هـذا الحـق وبخاصـة فـى المـادة الثانيـة منـه، التـى اعطـت للعمالـة الزراعيـة وخـدم المنـازل والعمالـة غيـر المنظمـة الحـق فـى إنشـاء تنظيماتهـم النقابيـة، ولكـن مـن ناحيـة أخـرى كانـت العقبـات الإداريـة بمثابـة حجـر عثـرة بحيـث حالـت دون حـق النسـاء العامـلات فـى الزراعـة مـن الوصـول لهـذا الحـق الـذى أقـره الدسـتور والقانـون ،حيـث لـم تنجـح أى نقابـة مـن نقابـات النسـاء العاملات فـى الزراعـة مـن توفيـق أوضاعهـم فـى ظـل القانـون الجديـد، الـذى كان قـد أعطـى مهلـة لـكل النقابـات التـى كانـت مشـهرة قبـل 2017 فـى إعـادة توفيـق الأوضـاع فـى الفتـرة مـن مـارس إلـى مايـو 2017، ولكـن لـم تسـتطع أى نقابـة للنسـاء العامـلات فـى الزراعـة فـى تقـديم أوراق توفيـق الأوضـاع لمديريـات القـوى العاملـة بسـبب التعنـت ورفـض اسـتلام أوراقهـم. فـى الوقـت الـذى كانـت فيـه هنـاك 7 لجـان نقابيـة للنسـاء العامـلات فـى الزراعـة قبـل صـدور القانـون 213 لسنة 2017.
إنطلاقا مما سبق نرى وجود ضرورة إحداث عدد من التعديلات من بينها:
- التعديـلات التشـريعية وبخاصـة فيمـا يتعلـق بقانـون العمـل رقـم 12 لسـنة 2003 مـن خـال إلغـاء الفقـره (ب) مـن المـادة الرابعـة واسـتبدالها بنـص جديـد ينـص صراحـة علـى شـمول عمالـة النسـاء العامـلات فـى الزراعــة ضمــن نظــاق قانــون العمــل الموحــد، أيضــا تعديــل المــادة 97 مــن قانــون العمــل 12 لســنة 2003 لمسـاواة النسـاء العامـلات فـى الزراعـة بأقرانهـم فـى أى أنشـطة اقتصاديـة أخـرى.
- أيضـا ضـرورة الاعتـراف بحـق النسـاء فـى الحيـازة الزراعيـة سـواء بـأرض أو بـدون أرض مـن خـال إلـزام الجمعيـات الزراعيـة بإعطـاء بطاقـة الحيـازة الزراعيـة لـكل إمـرأة تعمـل فـى الأنشـطة الزراعيـة.. الإنتاج الداجني على سبيل المثال لا الحصر وذلك من خلال النص على ذلك صراحة في قانون الزراعة 53 لسنة 1966 ولا يقتصر الأمر على حيازة الأرض أو الماشية فقط, حيث أنه يمكن بموجب حق النساء في الحيازة الزراعية إثبات صفة المهنة للنساء العاملات بالزراعة ببطاقة الرقم القومي.
- العمل على إزالة كافة القيود والعراقيل الإدارية التي تحول دون حق النساء العاملات بالزراعة من تكوين مؤسساتهم النقابية كحق أصيل في صون حقوقهم في العمل.
المراجع:
1- المعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية, الجريدة الرسمية, العدد 15, في 15 أبريل 1981, العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية, الجريدة الرسمية, العدد 14, 8 أبريل 1982.
2- الجريدة الرسمية, العدد 51, في 17 ديسمبر 1981.
3- الوقائع المصرية, العدد 9, في 31 يناير 1951.
4- راجع التعدد الزراعي 2009/2010, وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي.
5- راجع التعدد الزراعي 1999/2000, وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي.
6- النسبة الواردة تم استخراجها بمعرفة الباحث من التعداد الزراعي لعام 2009/2010.
7- الجريدة الرسمية, العدد 14 مكرر, في 7 أبريل 2003.
8- الجريدة الرسمية, العدد 206, في 10 سبتمبر 1966.
9- راجع التعداد الزراعي 1989/1990, وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي.
10- التعداد الزراعي لعام 1999/2000, مرجع سابق.
11- التعداد الزراعي لعام 2009/2010, مرجع سابق.
12- الجريدة الرسمية, العدد 50 مكرر (ب), في 17 ديسمبر 2017.
احدث التعليقات