لازالت أوضاع الفلاحين فى ريف مصر على حالها من التدنى ، ولازالت  آليات  النهب فى أقواتهم وأرزاقهم مستمرة ، وذلك بسبب استمرار نفس السياسات التى تكبل الفلاحين وتعيق قدرتهم فى الوصول لسبل الرزق ومن ثم ضياع حقوقهم فى العيش الكريم والحياة الآمنة ، وكأن ثورة لم تقم .

إن حياة 5.5 مليون فلاح بينهم أكثر من 90% فقراء وصغار فلاحين ويعولون ما لا يقل عن  25 مليون فرد ،يعانون من شظف العيش ومرارة الحياة وذلك بسبب استمرار نفس السياسيات الموروثة من عصور الظلم والاستبداد ، حيث تتفاقم المشكلات  لتعيد إنتاج فقرهم مرة أخرى ، وهناك العديد من المشكلات التى نضعها أمام رئيس مصر القادم ، والتى تستلزم تغيير سياسات إفقار الفلاحين فى ريف مصر وما يرتبط بذلك من تعديل للقوانين والتشريعات بما يضمن حياة أفضل للفلاحين فى بر مصر .

أولاً: بعض المشكلات التى تواجه فقراء وصغار الفلاحين

– غياب مظلة التأمين الصحى 

ويرجع السبب فى ذلك إلى نظام التأمين الصحى فى مصر الذى ينطوى تحت مظلته العاملون المؤمن عليهم اجتماعيا فقط ، ومن ثم يغطى هذا النظام وفقا للإحصاءات الرسمية 52% فقط من جملة السكان فى مصر أى أن هناك 48% من السكان لا يتمتعون بمظلة التأمين الصحى ومن ثم فهم عرضة لكافة المشكلات الصحية والتى تضع المزيد من الأعباء على كاهلهم الأمر الذى يزيد من هشاشة أوضاعهم الاجتماعية وبالطبع فإن الفلاحين هم أولى الفئات المضارة من هذا النظام .

– ضعف  مظلة  التأمين الاجتماعى 

يعانى فقراء وصغار الفلاحين من غياب  لمظلة التأمينات الاجتماعية ، حيث لا يحصلون إلا على معاش السادات أو الضمان الاجتماعي عند بلوغهم سن الــ 65 ، وعندها يحصلون على 200 جنيه شهريا ، وهو مبلغ لا يكاد يكفى شيئا من تكاليف الأعباء المعيشية ، ولعل ذلك يعود إلى عدم وجود مؤسسات يمكن أن تتولى تنظيم تلك الفئة الاجتماعية وضمان حقها فى ضمان اجتماعى أو تغطية تأمينية مناسبة .

– بنك التنمية والائتمان الزراعى وديون الفلاحين

 فى السياق ذاته لازال بنك التنمية والائتمان  الزراعى يمارس دوره فى تدمير مقدرات الفلاحين سواء باحتكاره لتسويق السماد حيث يصل سعر شيكاره السماد إلى 170 جنيه فى السوق،  بينما سعرها الحقيقى لا يزيد عن 37 جنيه ، بالإضافة إلى إثقال كاهل الفلاحين بديون لا تنتهى وصلت إلى 1.1 مليار جنيه تُستحق على 140 ألف فلاح .

– تقاوى الحاصلات الزراعية و السيادة على الغذاء

تعد قضية تقاوى الحاصلات الزراعية أحد اهم الموارد التى يتم تدميرها والتى تعد على  درجة كبيرة من الأهمية ليس للفلاحين فقط ولكن أيضا لقضية الاستقلال الوطنى والخروج من ربقة التبعية الغذائية  وتأكيد مبدأ السيادة الغذائية ، حيث زادت قيمة ما يتم استيراده  من التقاوى  ما يقرب من 4 مليار جنيه سنويا ، وعلى الجانب الآخر يتم تدمير قدرة المصريين فى الحفاظ على تقاوى الحاصلات الزراعية من خلال قيام الشركات العالمية مثل “مونسانتو ” وغيرها من احتكار سوق تقاوى الحاصلات الزراعية وفرض براءات الاختراع على الأصول الزراعية النباتية والحيوانية ، الأمر الذى يربط احتياجات المصريين للغذاء بتقلبات الأسواق العالمية واحتكارات الشركات الكبرى مما يزيد من تعميق الفجوة الغذائية

– ارتفاع اسعار المدخلات الزراعية

تمثل المدخلات الزراعية واحدة من أهم التحديات التى تواجه الفلاحين فى الريف المصرى وتعتمد معيشة هؤلاء الفلاحين  على حركة الأسعار الخاصة بهذه المدخلات سواء هبوطا أو صعوداً ، ومنذ تحرير الزراعة فى الريف المصرى منذ ثمانينيات القرن الماضى ومستويات الأسعار الخاصة بهذه المدخلات وهى آخذة فى التزايد حيث  زادت الأسمدة بنسبة 850%  فى عام2009 مقارنة بعام  1985 وذلك بالنسبة لمحصول القمح على سبيل المثال ، والمبيدات الزراعية زادت بنسبة 4500%  فى عام 2009مقارنة بعام 1985(·).

– تدمير الرقعة الزراعية وارتفاع القيمة الإيجارية للأرض الزراعية

  شهدت مصر على مدار أكثر من نصف قرن ضياع 2.5 مليون فدان من أجود الأراضى الزراعية بما يمثل  27% من جملة مساحة الأراضى الزراعية حتى عام 2012 بما فيها الاراضى المستصلحة ، وبما يمثل أيضا ضياع 42% من أراضى الوادى والدلتا ، الأمر الذى يعنى ضياع الأراضى الزراعية بالوادى والدلتا فيما لايزيد عن نصف قرن إذا استمر التدهور بالبناء والتجريف للأرض الزراعية على نفس المنوال ، الأمر الذى يعكس نفسه أيضا على  مستويات إيجار الأرض الزراعية فى الريف المصرى وبخاصة بعد تطبيق قانون تحرير العلاقة الإيجارية فى الريف المصرى فى اكتوبر 1997 ، فبعد ان كان إيجار الفدان لا يتجاوز الــ 200 جنيه سنويا قبل 1992 من القرن الماضى ،  نجدها قد زادت إلى 600 جنيه فى الفترة من 1992 حتى 1997 موعد تطبيق قانون تحرير الأرض الزراعية ، ثم بعد ذلك شهد إيجار الأرض الزراعية ارتفاعات متلاحقة وصلت إلى 9000 جنيه سنويا فى بعض محافظات الصعيد كالمنيا وبنى سويف ، بينما زادت عن ذلك إلى مستويات تتراوح بين  7000إلى 10000جنيه فى بعض محافظات الوجه البحرى .

فى السياق ذاته هناك أكثر من مليون ونصف من الفلاحين لا يجدون أرضا زراعية ، هذا فى الوقت الذى لا تولى فيه مشروعات استصلاح  الأراضى  حاجة هذه الأعداد من الفلاحين للأرض الزراعية ، بل تحول بينهم وبين حقهم فى إنشاء تعاونياتهم التى تساعدهم فى الوصول للأرض الزراعية . حيث إن  الأرض فى الغالب يتم توزيعها لكبار المستثمرين الذين سرعان ما يقومون بتحويلها إلى مشروعات فى البيزنس العقارى والسياحى بدلا من الزراعى .

– ارتفاع تكلفة مياه الرى

فى الوقت الذى تشهد فيه تكلفة مياه الرى انخفاضا واضحا بالنسبة لمشروعات البيزنس الزراعى وبخاصة الشركات الكبرى ، ففى بعض عقود هذه الشركات التى تم إلغائها مؤخرا كان المتر المكعب من المياه لايزيد عن خمسة قروش ، بينما نجد ارتفاعات متصلة ومستمرة بالنسبة لتكلفة مياه الرى للفلاحين المصريين حيث زادت نسبة تكلفة مياه الرى لفدان القمح إلى 2511% عام 2010 مقارنة بعام 1980 ، وبالنسبة لبرسيم التحريش إلى 3436% ( راجع  نشرة التكاليف  الزراعية الصادرة عن وزارة الزراعة فى الفترة من 1980 إلى 2012)

– الطاقة للاستخدامات  الزراعية

تعد مشكلة الوصول إلى مصادر الطاقة الخاصة بتشغيل الآلات والمعدات الزراعية واحدة من المشكلات الكبرى التى يواجهها الفلاحون وبخاصة فى مواسم الزرع والحصاد ، حيث فى العادة لا يتم الاعتراف بالفلاحين كمستهلكين لمصادر الطاقة المختلفة ومن ثم لا توجد أى آليات تضمن حق الفلاحين فى الاستفادة من أى سياسات يمكن أن ترد فى هذا الشأن .

– ضعف البناء التعاونى للفلاحين

على الرغم من مرور ما يقرب من مائة عام على إنشاء تلك الحركة والتى بدأت أولى تجلياتها فى العام 1907 إلا إن التعاونيات الزراعية لا زالت تشهد حالة شديدة من الضعف بسبب سيطرة الجهات الإدارية وتقليص أدوار الفلاحين فى إدارتها  .

– النقابات الفلاحية

يعد الفلاحون الفئة الوحيدة التى مُنعت وبكل قوة من حقها فى التنظيم وتكوين نقاباتها التى تدافع عن حقوقها المهدرة وذلك منذ نشأة الزراعة فى مصر وحتى قبيل ثورة الخامس والعشرون من يناير 2011 ،وفى الوقت الذى  نجحت فيه الحركة الفلاحية فى مصر من انتزاع هذا الحق بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير إلا إن  هذا الحق لازال يواجه المزيد من القيود والعنت من قبل العديد من الحهات الإدارية المنوط بها إعمال هذا الحق بهدف إعادة الأوضاع مرة أخرى للوراء وإلى ما قبل يناير 2011  .

ثانيا : السياسات والبدائل لضمان حقوق الفلاحين

هناك العديد من السياسات والبدائل المطلوبة لضمان حقوق الفلاحين فى مواجهة ما يعانونه من مشكلات من بينها :

– صدور قانون تامين صحى اجتماعى شامل يضم الفلاحون والعاملون فى قطاع الزراعة والصيد ومواجهة كافة سبل الالتفاف حول هذا الحق حيث توجد بعض الجهات الحكومية  تعمل على إصدار مشروع قانون للتأمين الصحى خاص بالفلاحين فقط بدلاً من قانون موحد للتامين الصحى الاجتماعى الشامل وذلك إعمالا للمادة ” 18 ” من الدستور المصرى .

– الوقف الفورى لكافة أشكال القرصنة الحيوية ، وأيضا الوقف الفورى لكل براءات الاختراع  على الحياة ومنها رفض كافة صور وأشكال براءات الاختراع على الأصول النباتية والحيوانية المصرية ، والتى أدت إلى تدمير ليس فقط قدرات الفلاحين بل قدرات المصريين فى الوصول للغذاء ، والارتفاع المضطرد فى اسعاره ، ومن ثم تقويض مبدأ السيادة الغذائية التى نص عليها الدستور المصرى فى المادة “79” ، ومن ثم هناك ضرورة ملحة للنظر فى قانون حماية الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 .

– ضرورة الالتزام بالمواثيق الدولية والذى نص عليه الدستور المصرى فى المادة “93” وذلك  فيما يتعلق بتطبيقات بروتكول قرطاجنة والتى تؤكد على وضع علامات على كافة السلع والمنتجات المحورة والمحورة وراثيا كأحد الحقوق الأساسية للمستهلكين والفلاحين فى بر مصر .

– العمل على ضرورة إصدار قانون للأمان الحيوى يعتمد على معايير السلامة الغذائية والإحيائية وفى القلب منهم حق المصريين فى السيادة الغذائية وضمان حق الفلاحين والمصريين فى الوصول للغذاء الآمن .

– إصدار تشريع يضمن حق الفلاحين فى  تملك  الأراضي المستصلحة الجديدة لصغار وفقراء  الفلاحين  ، والفلاحون بلا أرض ، بحد أدنى ثلاثة أفدنة وحد أقصى 5 أفدنة على أن تدار من خلال مزارع تعاونية.

– سن تشريعات جديدة تحول دون صور وأشكال المضاربة العقارية على الأراضى الزراعية وبخاصة فى ظل استمرار تدهور الرقعة الزراعية وتأكلها والبدء فورا فى تنفيذ ما سبق وأن نادى به علماء مصريون من أمثال الدكتور “جمال حمدان” واادكتور “رشدى سعيد” ، فى تصنيع الصحراء وتحويل الوادى والدلتا لمحمية زراعية .

– وقف كل صور وأشكال تملك الأراضى الزراعية لغير المصريين سواء أكانوا أفرادا أو شركات ، وبخاصة فى ظل ندرة الأراضى الزراعية المصرية وندرة الموارد المائية ووجود ما يزيد من مليون ونصف فلاح لديهم الخبرات والمهارات الزراعية ولا يستطيعون الوصول للأرض الزراعية .

– حق صغار الفلاحين وفقرائهم فى التمتع بالحيازة الآمنة فى الأراضى الزراعية من خلال العمل على وضع التشريعات اللازمة لذلك .

– حق الفلاحين فى الوصول للمياه اللازمة لإنتاج الغذاء والشرب بكافة الأشكال الواجبة لمقتضيات الاستدامة والعدالة فى ذات الوقت .

– ضرورة الإصدار الفورى لقوانين التعاون الموحد والحرية النقابية بما يضمن حق الفلاحين فى  تأسيس تعاونياتهم ونقاباتهم وفقا لإرادتهم الحرة والمستقلة وذلك إعمالا للمواد “33،37،76” من الدستور المصرى ، وأيضا بما يساعد فى تمكينهم من تقوية أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية .

– ضروة العمل على إنشاء بنك للتعاون خاضع لإدارة المؤسسات التعاونية الفلاحية بما يضمن حق الفلاحين فى الوصول لمصادر الائتمان .

– إسقاط كافة الديون المستحقة على الفلاحين المصريين وبخاصة أنه قد تم تسديد  أصل القرض أكثر من مرة .

– حق الفلاحين فى تأسيس وإنشاء صناديق ضد المخاطر التى تحيق بحاصلاتهم الزراعية .

تحريرا فى 13/5/2014


–  نشرة التكاليف المزرعية بين عامى 1985 و2006 ، وزراة الزراعة واستصلاح الأراضى .