مقدمة
نحـاول مـن خـلال هـذه الورقـة قيـاس مـدى التقـدم فـي إعمـال القواعـد الخاصـة بالسـيادة الغذائيـة فـى مصـر وذلـك فـي ضـوء النـص الدسـتوري الـوارد بالمـادة 79 والتـي تنـص علـى: “إلتـزام الدولـة بتأمــين المــوارد الغذائيــة للمواطنيــن كافــة، كمــا تكفــل الســيادة الغذائيــة بشــكل مســتدام، وتضمــن الحفـاظ علـي التنـوع البيولوجـي الزراعـي وأصنـاف النباتـات المحليـة للحفـاظ علـي حقـوق الأجيـال” (مرجـع رقـم 1).
فـي السـياق ذاتـه ذهبـت إتفاقيـة التنـوع البيولوجـى الصـادرة عـن قمـة الأرض فـي 1992 والتـي صادقـت عليهـا الحكومـة المصريـة وبموجـب قـرار رئيـس الجمهوريـة رقـم 54 لسـنة 1994 إلـى النص في ديباجتهـا عـن مسـئولية الدولـة عـن صيانـة وصـون التنـوع البيولوجـي لديهـا وعـن إسـتخدام مواردهـا البيولوجيـة علـى نحـو قابـل للاسـتمرار، وتذهـب ذات الاتفاقيـة إلـى التأكيـد علـى حقـوق المجتمعـات المحليـة والسـكان الأصليـون فـي صـون أنمـاط العيـش التقليديـة التـي تعتمـد علـى المـوارد البيولوجيـة وأيضـا الحقـوق التـي تـرد علـى المعـارف التقليديـة ذات الصلـة بالتنـوع البيولوجـي واسـتخدام مكوناتـه علـى نحـو قابـل للاسـتمرار، وأيضـا الاعتـراف بالـدور الحيـوى الـذى تقـوم بـه المـرأة فـي مجـال صـون التنـوع البيولوجـى وأيضـا منظمـات المجتمـع المدنـي وضـرورة إشـراكهما فـي صـون وحمايـة التنـوع البيولوجـي (مرجـع رقـم 2).
في الإطار نفسه” صادقت الحكومة المصرية على بروتوكول قرطاجنة الخاص بالسلامة الإحيائية.. وقد جاء هذا البروتوكول خصيصاً لصون التنوع البيولوجي عبر التركيز بصفة خاصة على التحرك عبر الحدود لأية كائنات محورة وراثياً والتي قد يكون لها أثر ضار على صون والاستعمال المستدام للتنوع البيولوجي” ومن ثم ضرورة وضع تشريعات للأمان الحيوي (مرجع 3).
في السياق ذاته تذهب المادة 93 من الدستور المصري إلى التزام الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدق عليها مصر” وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقاً للأوضاع المقررة (مرجع 4).
التحليل:
يفتقـد الإطـار التشـريعي الناظـم لتقـاوي الحاصلـات الزراعيـة فـى مصـر إلـى الكثيـر مـن سـبل الحمايـة الخاصـة بالمزارعـين فـى ريـف مصـر وبخاصـة بعـد إقـرار قانـون الملكيـة الفكريـة رقـم 82 لسـنة( 2002 مرجـع رقـم 5)، والـذى بموجبـه تم السـماح ولأول مـرة فـى مصـر بفتـح البـاب واسـعاً أمـام وضـع الصـور والأشــكال المختلفــة لحمايــة الأصنــاف النباتيــة وانتقالهــا مــن الملــك العــام إلــى الملــك الخــاص للأفــراد والشـركات الخاصـة وأيضًـا المراكـز البحثيـة سـواء العامـة والخاصـة،
وبموجـب هـذا القانـون بـرزت العديـد مـن المشـكات مـن بينهـا:
إنـه لا يتـم النشـر عـن الأصنـاف الطالبـة للحمايـة إلا فـى الجريـدة الصـادرة عـن مكتـب حمايـة الأصنـاف النباتيـة فقـط، وأن هـذا التعتيـم يضـر بحقـوق الكثيـر مـن الأفـراد والجماعـات بـل وحتـى المجتمعـات المحليـة ،حيـث أن الأمـر يتوجـب أن يتـم الإعـلان عـن الصنـف الطالـب للحمايـة وذلـك بكافـة سـبل الإعـلان قبـل إسـباغ الحمايـة علـى الصنـف النباتـي المطلـوب، لأنـه جائز أن يكـون المتقـدم للحصـول علـى الحمايـة لأحـد الأصنـاف النباتيـة غير مالك لهذا الصنف ويكـون هـذا الصنـف ملـك للغيـر وجـرى السـطو عليـة أو ملـك عـام، أو ملـك لفلاحيـن ولكنهـم لـم يقومـوا أو لا يعرفـوا أن هنـاك حمايـة للأصنـاف النباتيـة.
وكان يجـب علـى مكتـب حمايـة الأصنـاف النباتيـة نشـر كافـة الأصنـاف النباتيـة ومـا بهـا مـن خصائـص والتـى ترغـب الشـركات أو المربييـن فـى فـرض الحمايـة عليهـا بجريـدة «الوقائـع المصريـة» وذلـك قبـل إجـراء اختبـارات الـــDUS وقبـل حمايـة الصنـف النباتـى وذلـك لإتاحـة كافـة المعلومـات لـدى المزارعـن والباحثـين ومنظمــات المجتمــع المدنــي المختلفــة ليتســنى لهــم إبــداء أي اعتراضــات قــد يرونهــا إزاء هــذه الأصنــاف وبخاصـة إذا كانـت تدخـل ضمـن الملـك العـام.
وقـد واكـب صـدور قانـون الملكيـة الفكريـة العديـد مـن القـرارات الوزاريـة التـي تسـمح بحريـة تـداول تقـاوي الأصنـاف الزراعيـة بكافـة أنواعهـا، وأصبـح السـوق المصـري مفتوحـاً أمـام شـتى الأنـواع مـن تقـاوي الحاصـلـات الزراعيــة مــن خــلال العديــد مــن الشــركات المحليــة والدوليــة، ففــي 26/2005/3 صــدر قــرار وزيـر الزراعـة رقـم 335 لسـنة 2005 بالنـص علـى ضـرورة حفـظ الأصـول الوراثيـة للسـلالات والأصنـاف البلديـة غيـر الخاضعـة لنظـام تسـجيل أصنـاف الحاصـلات الزراعيـة وتجـري التجـارب لتقييمهـا وتُقيَّـد فـي سـجل خـاص فـي برنامـج الأصـول الوراثيـة «البنـك القومـي للجينـات» ولا يجـوز التعامـل فـي هـذه الأصنـاف والسـلالات إلا بعـد قيدهـا فـى هـذا السـجل (مرجـع رقـم 6).
إلـى ذلـك شـهد الإطـار التشـريعى للأصنـاف النباتيـة مزيـدًا مـن التعديـات الصـادرة بقـرارات وزاريـة لعـل أهمهـا قـرار وزيـر الزراعـة واسـتصلاح الأرضـى رقـم 804 لسـنة 2005 (مرجـع رقـم 7) والخـاص بتحديـد الأجنـاس النباتيـة التـي تتمتـع أصنافهـا بالحمايـة المقـررة فـي قانـون حمايـة حقـوق الملكيـة الفكريـة، حيـث أجـاز هـذا القـرار لمكتـب حمايـة الأصنـاف أن يعتـد بنتائـج الاختبـارات المتعلقـة بـــ التميـيز والتجانـس والثبـات للصنـف المطلـوب حمايتـه التـي أجريـت بمعرفـة جهـة أجنبيـة متخصصـة مسـئولة ومعتمـدة لـدى الدولـة التابـع لهـا الجهـة التـي أجريـت هـذه الاختبـارات، وبشـرط أن تكـون هـذه الدولـة عضـواً فـي الاتحـاد الدولـي لحمايـة الأصنـاف النباتيـة الجديـدة • UPOV، أيضـا أجـاز القـرار لمكتـب حمايـة الأصنـاف النباتيـة فـي مصـر إجـراء الاختبـارات علـى الأصنـاف النباتيـة خـارج البـلاد إذا تعـذر فنيـاً إجرائهـا فـي مصـر، بشـرط أن تكـون الجهـة التـي تجـري هـذه التجـارب ضمـن الـدول المنخرطـة فـي اتحـاد الـــUPOV.
ثـم تلـى ذلـك وفـي نفـس اليـوم صـدور قـرار وزيـر الزراعـة رقـم 807 لسـنة 2005 (مرجـع رقـم 8) بتحديـد الأجنـاس النباتيـة التـي تسـري عليهـا حمايـة الملكيـة الفكريـة علـى أصنافهـا والتـي ضمـت كافـة أنـواع المحاصيـل ضمـن قائمـة ضمـت مائـة جنـس نباتـى مـن بينهـا القمـح، الـذرة، الأرز ،البرسـيم المصـري والحجـازى …. إلـخ، وذلـك بعـد أن كانـت لا تتجـاوز 20 جنـس نباتـى عنـد صـدور قانـون 82 لسـنة 2002.
ولعــل صــدور قــرار رئيــس الجمهوريــة بقانــون رقــم 26 لســنة 2015 (مرجــع رقــم 9) بتعديــل بعــض أحـكام القانـون 82 لسـنة 2002 الخـاص بحقـوق الملكيـة الفكريـة، هـو بمثابـة التتويـج لإدمـاج المـوارد البيئيـة المصريـة ضمـن السـوق العالمـى، والـذي جـاء فـي ديباجتـه بنـاء علـى قـرار رئيـس الجمهوريـة رقـم 235 لســنة 2003 بشــأن الإتفــاق الأوربــي المتوســطي لتأســيس شــراكة بيــن حكومــة جمهوريــة مصــر العربيــة مـن جانـب والجماعـة الأوربيـة ودولهـا الأعضـاء مـن جانـب آخـر والموقـع فـي 25/2001/6، وأيضـا القوانـين ذات الصلـة.
وبموجـب هـذا القانـون تم تعديـل العديـد مـن المـواد( 189 ،192، 193، 194، 195، 196، 197، 198، 199، 200، 201، 202) ولأنـه مـن الصعـب الإتيـان علـى كافـة تلـك التعديـلات، فإننـا نعـرض فقـط لبعـض أبــرز تلــك التعديــلات وهــي المتعلقــة بالمــادة 189 التــي تعطــى الحــق للمربيِّــن المحليـيـن والأجانــب الذيــن ينتمـون أو يقيمـون أو يتخـذون مـن مصـر مركـز نشـاط حقيقـى وفعـال لهـم فـي إحـدى الـدول أو الكيانـات أو المنظمـات الأعضـاء فـي منظمـة التجـارة العالميـة أو الإتحـاد الدولـي لحمايـة الأصنـاف النباتيـة الجديـدة UPOV أو التـي تعامـل مصـر بالمثـل أن يتمتـع بالحمايـة المقـررة للأصنـاف النباتيـة ضمـن هـذا القانـون .وبموجــب هــذا القانــون فقــد تم ربــط ســجلات الأصنــاف النباتيــة فــي مصــر بمثيلتهــا فــي الاتحــاد الدولــي لحمايــة الأصنــاف النباتيــة الجديــدة UPOV، حيــث يتــم رفــض تســجيل أى صنــف نباتــى فــي قائمـة السـجلات النباتيـة المصريـة إذا كان مطابقـا أو متشـابه أو مماثـل لسـجل الأصنـاف النباتيـة فـي الـــUPOV.وبموجـب هـذا القانـون أيضـا يكـون لعضـو الإتحـاد الدولـي لحمايـة الأصنـاف النباتيـة الحـق فـي أولويـة تسـجيل الصنـف النباتـى وإسـباغ حقـوق الحمايـة عليـه مقارنـة بأخريـن حتـى لـو كانـوا مواطنـن محلييـن «مربـين محلييـن.»
ولعـل التطـور الآخـر الـذى شـهدته البنيـة التشـريعية الخاصـة بإسـباغ حمايـة الملكيـة الفكريـة علـى الأصـول النباتيـة فـى مصـر صـدور القانـون رقـم 144 لسـنة 2019 والخـاص بإسـباغ الحقـوق القانونيـة علـى المحاصيـل المحـورة وراثيـا وتداولهـا فـى الأسـواق المحلية(مرجـع رقـم 10).
فـى الوقـت ذاتـه ومنـذ صـدور قانـون الملكيـة الفكريـة عـام 2002 كان يتوجـب علـى الدولـة إصـدار قانـون الأمـان الحيـوى وفقـا للقواعـد المقـررة ضمـن بروتكـول قرطاجنـة والـذى يضـع القواعـد المتعلقـة بدراسـة وفحـص الآثـار المختلفـة لأى صنـف نباتـى يجـرى اختبـاره وبخاصـة مـا يتـم اسـتيراده مـن الخـارج علـى البيئـة المصريـة مـن كافـة جوانبهـا المختلفـة، ومـا يرتبـط بهـذا القانـون مـن هيئـات ومؤسسـات كلجـان الأمـان الحيـوى والشـروط المنظمـة لهـا والمعاييـر التـى يتوجـب أن تعمـل بهـا، ولكـن وحتـى الآن لـم يصـدر هـذا القانـون ممـا يشـير إلـى وجـود فجـوة كبيـرة فيمـا يتعلـق بالجانـب التشـريعى فـى هـذا الإطـار.
التوصيات:
- ضـرورة الإسـراع بإصـدار قانـون الأمـان الحيـوى وتضمينـه كافـة المعاييـر الواجبـة لعمليـات التقييـم البيئـى لأى صنـف نباتـى قبـل اعتمـاده تجاريًـا فـى الأسـواق المحليـة .
- ضـرورة نشـر طلبـات الحصـول علـى الحمايـة النباتيـة بكافـة تفاصيلهـا فـى جريـدة الوقائـع المصريـة قبـل الموافقـة علـى منـح شـهادة حمايـة الصنـف النباتـى بمـا يضمـن حـق المجتمـع فـى الرقابـة علـى حمايـة الأصنـاف النباتيـة التـى تقـع فـى الملـك العـام مـن عمليـات الاسـتيلاء غيـر القانونـى علـى الأصنـاف النباتيـة المصريـة.
- ضـرورة وضـع إرشـادات مكتوبـة علـى العبـوات الخاصـة بتـداول تقـاوى الحاصـات الزراعيـة تشـتمل علـى كافـة المواصفـات ومـا إذا كان الصنـف محـور وراثيـا أم لا.
مراجع:
- الجريدة الرسمية, العدد 3 مكرر أ في 18 يناير 2014.
- الجريدة الرسمية, العدد 36, 8 سبتمبر 1994.
- الجريدة الرسمية, العدد 49, 2 ديسمبر 2004.
- الجريدة الرسمية, العدد 3 مكرر أ في 18 يناير 2014.
- قانون الملكية الفكرية, الجريدة الرسمية, هيئة المطابع الأميرية, القاهرة, العدد 22 مكرر, 2 يونيه 2002.
- الوقائع المصرية, هيئة المطابع الأميرية, القاهرة, العدد 189 في 21 أغسطس 2005.
- جريدة الوقائع المصرية, العدد 167, 26 يوليه 2005.
- الوقائع المصرية, العدد 167, 26 يوليه 2005.
- الجريدة الرسمية, عدد 25 مكرر ب, 22 يونيه 2015.
- الجريدة الرسمية, عدد 131 مكرر (د), 6 أغسطس 2019.
احدث التعليقات