على  الرغم مما احتوت عليه وثيقة دستور لجنة الخمسين  من مواد هامة ترسخ لحرية الفكر والتعبير وأيضا ما يتعلق بحقوق المرأة والطفل ، إضافة للحقوق المتعلقة بالصحة والتعليم ، والحد الأدنى والأقصى للأجور وأيضا ما يتعلق بالحق فى التنظيم سواء ما يخص حق الأحزاب أو مؤسسات المجتمع المدنى والتى جاءت لتؤكد هذا الحق من خلال مبدأ الإخطار .

ولا شك أن جملة هذه الحقوق وغيرها جاءت مواكبة لطموحات المصريين فى اعقاب ثورتهم العظيمه  .

إلا أنه وعلى الجانب الآخر وفيما يتعلق بحقوق صغار الفلاحين وأيضا الصيادين فقد جاءت مخيبة لآمال وطموحات ما يزيد  عن 18 مليون من الفلاحين والعاملين فى قطاع الزراعة والصيد .

فقد تناولت وثيقة الدستور بشكل من العمومية “وعدم الإلزام “قطاع الزراعة والصيد فى عدد من المواد تتعلق بالحقوق التى ترد للفلاحين والصيادين وذلك وهى على النحو التالى :

الحقوق التى ترد على الأرض الزراعية والمسطحات المائية

 نصت المادة ( 29)  “الزراعة باعتبارها مقوم أساسى للاقتصاد الوطنى وتلتزم الدولة بحماية الرقعة الزراعية وتجريم الاعتداء عليها ، كما تلتزم بتنمبة الريف ورفع مستوى معيشة سكانه وحمايتهم من المخاطر البيئية ، وتعمل على تنمية الإنتاج الزراعى والحيوانى وتشجيع الصناعات التى تقوم عليها ….كما تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الأراضى المستصلحة لصغار الفلاحين وشباب الخريجين …وذلك كله على النحو الذى ينظمه القانون ” ومن الملاحظ من نص المادة السابقة العمومية الشديدة فى تناول حقوق الفلاحين وبخاصة ما يتعلق بحق الفلاحين فى الوصول للأرض ، حيث يعلم الجميع مدى التدمير الذى تتعرض له الأرض الزراعية ويكفى الإشارة إلى إلى أن مصر فقدت فى  الفترة من 1950 إلى 2013 ما مقداره  3مليون  فدان من أجود أراضيها فى الوادى والدلتا الأمر الذى يشير إلى أن مصر تفقد سنويا ما يقرب 50 ألف فدان سنويا ، ولاشك أن استمرار الأمر على هذا النحو فإنه بإنتهاء هذا القرن ستفقد مصر كل أراضيها بالوادى والدلتا  ، مما ينعكس بالسلب على تدمير قدرة المصريين فى إنتاج غذائهم وأيضا تدمير التنوع الحيوى فى بيئة مصر الزراعية وما يترتب على ذلك من آثار فيما يتعلق بالتغير المناخى.

وبدلا من الوقوف بحسم فى مواجهة هذا الخطر الداهم من خلال نصوص واضحة الدلالة حاء النص الدستورى فيما يتعلق بهذا الشأن بعبارات عمومية مبهمة وإحالة الأمر للقانون فى الوقت الذى يعلم فيه الجميع أن “التجريم” الوارد بالنص الدستورى موجود بالقوانين المصرية وعلى الرغم من ذلك فقدت مصر ما يقرب من نصف أراضيها فى الوادى والدلتا ، فى السياق ذاته وعلى الرغم من التزام الدولة بتخصيص نسبة من الأراضى لصغار المزارعين وشباب الخريجين فقد كان يستوجب الأمر تحديد هذه النسبة فى النص الدستورى وتحديد من هم صعار المزارعين الذين يستحقون هذه الأراضى ، وكنا قد تقدمنا مع مجموعة من منظمات المجتمع المدنى على ضرورة ” تكفل الدولة تمليك الأراضي المستصلحة الجديدة للفلاحين المعدمين والفقراء بحد أدنى ثلاثة أفدنة وحد أقصى 5 أفدنة على أن تدار من خلال مزارع تعاونية” وأيضا كان على النص الدستورى أن ينص صراحة على وقف كل أشكال المضاربة على الأرضى الزراعية واستغلالها فى أغراض أخرى غير الزراعة مثل البيزنس العقارى  الذى يهدد مستقبل الأراضى الزراعي فى مصر .

أيضا جاءت المادة رقم “30” التى نصت على “إلزام الدولة بحماية الثروة السمكية وحماية ودعم الصيادين وتمكينهم من مزاولة أعمالهم دون إلحاق الضرر بالنظم البيئية …وذلك على النحو الذى ينظمه القانون ”  فى إطار من العمومية الشديدة وأيضا الإحالة للقانون الذى عادة ما يقوم المشرع بتفريغ النص الدستورى من محتواه ، فى الوقت ذاته سكت النص الدستورى عن تجريم إستغلال المسطحات المائية فى أغراض “غير الصيد ” مثل الاستغلال السياحى والعقارى وغيرها من أساليب جائرة تعمل على تجريف المسطحات المائية وتدمير تنوعها الحيوى .

حق الفلاحين والصيادين فى إنشاء مؤسساتهم المستقلة

جاء النص الدستورى للجنة الخمسين مخيبا للآمال فيما يتعلق بحق الفلاحين والعاملين فى قطاع الزراعة والصيد من غل قدرتهم على إنشاء مؤسساتهم المستقلة التى تتولى إدارة شئونهم بشكل إرادى حر وبخاصة مايتعلق بحق تأسيس النقابات والتعاونيات وأرجعت الأمر فى ذلك للقانون من خلال نص المادة “76” التى اعادت حق تأسيس تلك النقابات والاتحادات التعاونية للقانون بدلاً من مبدأ الإخطار من خلال النص على  ” إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطى حق يكفله القانون…إلخ  ” الذى يعد نكوصا حتى عن دستور 2012 الذى كان ينص فى مادتة الــ50 على أن “حرية إنشاء النقابات والاتحادات التعاونية مكفولة وتكون لها الشخصية الاعنبارية وتقوم على أساس ديمقراطى وتمارس نشاطها بحرية وتشارك فى خدمة المجتمع وفى رفع مستوى الكفاءة بين اعضائها والدفاع عن حقوقهم ولايجوز للسلطات حلها أو حل مجلس إدارتها إلا بحكم قضائى ” ، وفى الوقت الذى يعترف فيه دستور لجنة الخمسين بالاعتراف بالملكية التعاونية وصونها من خلال النص على ذلك فى المادتين 34، 37 إلا أنه سكت وصمت عن حق الفلاحين والصيادين وكافة الفئات الاجتماعية الأخرى عن حقها فى إنشاء التعاونيات وتأسيسها باعتبارها المدخل الأساس للتمكين الاقتصادى للفئات الأكثر ضعفا وفقرا فى مصر وبخاصة الفلاحين والصيادين والعاملين فى قطاع الزراعة والصيد ، ولا نعرف سببا لهذا الصمت البالغ عن حرية إنشاء التعاونيات التى تعد أحد روافد التنمية الاقتصادية والاجتماعية لأى مجتمع وإذا كان الحديث الذى تلوكه العديد من أجهزة الإعلام عن ضرورة تحريك عجلة الإنتاج فلا نعرف سببا للوقوف ضد عجلة الإنتاج الاقتصادى فى القطاع التعاونى .

بين السيادة الغذائية ونهب الأصول الوراثية النباتية والحيوانية 

فى الوقت الذى نض دستور لجنة الخمسين فى المادة “79 ” على ” لكل مواطن فى غذاء صحى وكاف وماء نظيف، وتلتزم  الدولة بتأمين المواد الغذائية للمواطنين كافة ، كما تكفل السيادة الغذائية بشكل مستدام وتضمن الحفاظ على التنوع البيولوجى الزراعى وأصناف النباتات المحلية للحفاظ على حقوق الأجيال ” ومما لاشك فيه أن هذا النص يمثل نقلة نوعية كبيرة فيما يتعلق بحقوق المصريين فى الغذاء والماء وهو الذى يعد بحق إضافة كبيرة للدستور المصرى ، أيضا فإن التأكيد على مبدا السيادة الغذائية وصون التنوع الحيوى من الأصناف النباتية والحيوانية تطور غير مسبوق فى الدستور المصرى وهو بلاشك إضافة ذات أهمية كبرى ويتوافق مع اتفاقية التنوع الحيوى الصادرة عن قمة الأرض فى 1992 ، ولكن وعلى الجانب الآخر نجد المادة “69 ” من دستور لجنة الخمسين التى تنص على ” تلتزم الدولة بحماية حقوق الملكية الفكرية بشتى أنواعها فى كافة المجالات، وتنشئ جهازاً مختصا برعاية حقوق المصريين وحمايتها القانونية وينظم القانون ذلكالأمر الذى يعطى  الشركات الكبرى فى إنتاج الغذاء من وضع براءات اختراع على الأصول النباتية والحيوانية التى تعد ملكا عاما للمصريين عموما والفلاحين خصوصا مما يعنى حرمان الفلاحين من التبادل الحر للبذور والإكثار منها ومن ثم تعميق التبعية الغذائية لصالح الشركات الكبرى مثل “مونسانتو ،وسينجنتا ودوبونت …وغيرها من شركات تحتكر صناعة الغذاء والبذور عالميا وأيضا محليا ، الأمر الذى قد يفرغ المادة “79” .

إن “الجمعية المصرية للحقوق الجماعية” تطالب المشرع المصرى بضرورة إصدار قوانين تؤكد حق الفلاحين والعاملين فى قطاع الزراعة والصيد من كفالة حقهم فى تاسيس مؤسساتهم المستقلة من نقابات وتعاونيات بموجب الإخطار وعدم التعنت والجور فى تأكيد هذا الحق ، ومن ثم نرى ضرورة الإسراع بإصدار قانون للحريات النقابية يضمن مبدا الاستقلالية والحرية النقابية من خلال الإخطار أسوة بالأحزاب واصحاب الصحف والجمعيات الأهلية ، وأيضا ضرورة صدورقانون موحد للتعاون يؤكد على الحق فى إنشاء التعاونيات بموجب الإخطار وبخاصة أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية مدخلها هو تأكيد الحق فى إنشاء التعاونيات باعتبارها المدخل الأساس فى التمكين الاقتصادى للفئات الاكثر فقرا وضعفا وأيضا خفض معدلات البطالة الامر الذى ينعكس على المجتمع بالإيجاب .

أيضا ضرورة تعديل القانون 82 لسنة 2002 الخاص بالملكية الفكرية من خلال النص على ضرورة وقف وإلغاء كافة أشكال براءات الاختراع على الحياة وحق الفلاحين فى التبادل الحر للبذور ، إن تضمين هذه المطالب البنية التشريعية المصرية تدفع بالمجتمع المصرى اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا قدما إلى الأمام .

تحريرا فى 7/12/2013